عباس عبود سالم
اثارت مذكرة سرية امريكية لمستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي جدلا واسعا كونها شككت بقدرة رئيس الوزراء نوري المالكي في ضبط العنف الطائفي في العراق.
وأوصت المذكرة السرية المؤلفة من خمس صفحات والتي صدرت بتاريخ الثامن من تشرين الثاني بأن تتخذ واشنطن خطوات جديدة لتعزيز قوة المالكي، وفي حال فشل المالكي في تنفيذ خطوات محددة فان واشنطن ستضغط عليه لاعادة تشكيل كتلته البرلمانية.
تاريخ نشر هذه المذكرة في صحيفة نيويورك تايمز يتزامن مع تطورات متلاحقة يشهدها ملف السياسة الامريكية في العراق لاسيما في ظل عمل لجنة بيكر هاملتون التي تهدف الى الحصول على تقييم شامل للوضع في العراق والتي من المؤمل ان تستمع الى اراء سياسيين عراقيين من مرجعيات مختلفة.
كما ان صعود الديموقراطيين الى الاغلبية في الكونغرس وزيادة حدة التوتر الطائفي في العراق باتجاه منزلق الحرب الاهلية، اسباب دفعت الرئيس الامريكي جورج بوش الى العمل على اجراء لقاء مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في العاصمة الاردنية عمان بما يشبه محادثات اللحظة الاخيرة للحيلولة دون وقوع حرب اهلية في العراق.
والمالكي الذي يعد من اهم صقور حزب الدعوة الاسلامية وهو الحزب الذي اشتهر بمعارضته لحزب البعث وصدام خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وفقد عشرات الالاف من كوادره الذين اعدمهم صدام.
وغادر المالكي العراق بعد حملة الاعدامات التي شنها صدام ضد الحزب المذكور ليستقر في سوريا قبل ان يعود الى ارض الوطن في اعقاب سقوط صدام عام 2003.
والمالكي لم يكن من زعماء الخط الاول الذين تسيدوا السياسة العراقية بعد سقوط صدام مثل احمد الجلبي واياد علاوي وابراهيم الجعفري وعبد العزيز الحكيم والزعماء الكرد، رغم ظهوره بظهر القوي داخل اول تشكيلة برلمانية كان يشغل نائب رئيسها فؤاد معصوم.
ويرى بعض المهتمين بالشأن العراقي ان الصراعات الداخلية داخل الائتلاف العراقي الموحد هي التي جائت بالمالكي كبديلا عن ابراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء، بعد ازمة سياسية عاصفة.
وما ان تسلم المالكي رئاسة الوزراء حتى اعلن عن مشروعين لم يسفرا عن ثمار واضحة للعراقيين، او على الاقل للناخبين الذين اوصلوه الى سدة الحكم والذي تشكل الكتلة الصدرية مكونا هاما منهم.
والمشروعين هما الخطة الامنية ومشروع المصالحة، والسبب عدم وجود دراسة واقعية لجدوى تطبيق هذين المشروعين الهامين من حيث بناء الجسد العسكري والسياسي للعراق بشكل سليم، الامر الذي منح خصوم الكتلة البرلمانية التي ينتمي لها المالكي حجج بتوجيه النقد الى المالكي بهدف اضعاف سلطته لمصالح فئوية وحزبية، رغم ان المالكي استمر بالتمسك بخطاب المصالحة.
لذلك حددت مذكرة هادلي عدة خطوات على الولايات المتحدة اتخاذها ازاء رئيس الوزراء العراقي منها تشجيع المالكي لإعلان نفسه زعيما لكتلة جديدة تستقطب جماعات معتدلة بعيدا عن الاحزاب الطائفية الكبيرة، وكذلك تقديم دعم مالي لهذه الجماعات حالما يعلن المالكي انشقاقه عن حزب الدعوة وينهي تحالفه مع مقتدى الصدر.
ومن الملاحظات التي اشرتها مذكرة مستشار الامن القومي الامريكي على المالكي منها اعتبار انه محاط بمجموعة صغيرة من المستشارين التابعين لحزب الدعوة، وتدخل مكتب المالكي لوقف العمليات العسكرية ضد أهداف شيعية، وتشجيع العمليات ضد الاهداف السنية، بالاضافة الى عزل القادة العسكريين بدوافع طائفية، وتعيين الاغلبية الشيعية في كل الوزارات.
ولكن ربما اغفلت المذكرة ان رئيس وزراء العراق يتصف بالتزامه النهج العروبي للعراق وحاول فتح الابواب امام علاقات متوازنة مع الجيران العرب للعراق وتركيا وايران، كما انه لم يظهر ميله الى جهة دون اخرى بالشكل الذي يظهره بمظر المنحاز لكن الوضع في الشارع العراقي لم يكن من صنع المالكي بقدر ما اوقعه تنظيم القاعدة من كوارث حقيقية تفوق معضلة الميليشيات التي ترى المذكرة الامريكية انها سبب المشكلة والدليل ان هناك ارهاب منظم وحملات ابادة وقتل على الهوية ضد المواطنين في ديالى يشنها تنظيم القاعدة الذي يستعيد عافيته ويشكل خلايا وامارات تكفيرية قائمة على ايديولوجية الموت دون وجود رادع من قبل القوات النظامية ولو كانت هناك ميليشيات قوية لحدثت مواجهة مع القاعدة مثلما حدث في الانبار فهناك ميليشيات مجلس انقاذ الانبار الذي شكلته عشائر المدينة بدعم حكومي امريكي.
لذلك تحتاج الرؤية الامريكية الى شيء من الواقعية وتجاوز اراء الساسة النفعيين وعدم المتجردين عن انتماءاتهم الطائفية فمن النادر ان تجد مسلما في العراق يستطيع التجرد عن انتمائه للعراق والسبب الظروف المعقدة التي مر ويمر بها العراق.
اضافة الى ضغط عدم وضوح الرؤيا في المشهد العراقي الذي افرز اعداء جدد للولايات المتحدة التي يرى البعض ان هناك مؤشرات على نيتها البحث عن حلفاء علمانيين اقوياء في العراق حتى وان كانوا من البعثيين، يقع المالكي تحت ضغوط اخرى منها مسألة الميليشيات التي تتمتع بتاييد قطاعات واسعة ترى انها تشكل حالة واقعية لضعف الاجهزة الامنية وتنامي خطر القاعدة.
و بوش ذاته يقع تحت ضغط متزايد للتوصل الى سياسة جديدة للحيلولة دون انزلاق العراق في صراع طائفي ولتأمين انسحاب مشرف للقوات الامريكية في العراق وقوامها 140 ألف جندي بعد أن خسر الحزب الجمهوري سيطرته على الكونجرس الأمريكي في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر تشرين الثاني.